شرح حديث أبي هريرة: "لا يبع بعضكم على بيع بعض"
-
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَحاسَدوا، ولا تَناجَشوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَدابَروا، ولا يَبِعْ بعضُكم
على بيع بعض، وكُونوا عبادَ اللهِ إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يَظلِمُه ولا يَحقِرُه، ولا يخذُلُه، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات -
بحسْبِ امرئ من الشر أن يَحقِرَ أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرضُه))؛ رواه مسلم.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
أما الجملة الخامسة فهي قوله: ((ولا يَبِعْ بعضُكم على بيعِ بعض))، لا يَبِعْ بعضُكم على بيع بعض؛ لأن هذا يؤدِّي إلى الكراهية والعداوة والبغضاء.
ومثال بيع الإنسان على بيع أخيه: أن يذهب لمن اشترى سلعةً من شخص بمائة، فيقول: أنا أعطيك مِثلَها بثمانينَ، أو أعطيك أحسن منها بمائة
فيرجع المشتري ويَفسخ العقدَ الأول ويعقد مع الثاني، ففي هذا عُدْوانٌ ظاهر على حق البائع الأول، وهذا العدوان يوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين.
ومثال ذلك الشراءُ على شرائه، مثل أن يذهب إلى شخص باعَ سلعة بمائة، فيقول له: أنا أشتريها منك بمائة وعشرين
فيذهب البائع ويفسخ العقد ويبيع على الثاني، فهذا أيضًا حرامٌ؛ لأنه بمعنى البيع على البيع.
ولكن هل هذا خاصٌّ في زمن الخِيار أو عامٌّ؟
الحديث عام أنه لا يحلُّ لك أن تبيع على بيع أخيك، سواء في زمن الخيار أو لا، وقال بعض العلماء:
إنه محمول على ما إذا كان ذلك في زمن الخيار؛ لأنه إذا انتهى زمن الخيار فإنه لا يستطيع أن يفسخ العقد، ومثال ذلك:
رجل باع على شخص سيارةً بعشرة آلاف ريال، وجعل له الخيار ثلاثة أيام، فذهب شخص إلى المشتري وقال: أنا أعطيك أحسن منها
بعشرة آلاف ريال، فأغرى المشتري أن يذهب للبائع ويقول: فسختُ العقد، أو يذهب شخص إلى البائع ويقول: سمعت أنك
بعت سيارتك على فلان بعشرة آلاف ريال، أنا أعطيك أحد عشر ألفًا، فيفسخ البيع ويرد ويبيعها على الثاني.
أما إذا كان بعد انتهاء المدة، فقال بعض العلماء: إنه لا بأس، يعني بعد أن باعه وجعل له الخيار ثلاثة أيام
وانتهت الأيام الثلاثة، فلا بأس أن يذهب إلى الشخص الذي اشتراها ويقول: أنا أعطيك مثلها بأقل، أو أحسن منها
بالثمن الذي اشتريتَ به، وعلَّلوا ذلك بأنه لا يمكنه حينئذٍ أن يفسخ البيع؛ لانتهاء زمن الخيار.
ولكن ظاهر الحديث العموم؛ لأنه وإن كان لا يمكنه أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار، فإنه قد يحاول أن يوجد
مفسِدًا للعقد، أو على الأقل يندم على شرائه، ويعتقد أن البائع غبَنَه وأنه لعب عليه، فيحدُث له بذلك العداوة والبغضاء
وهذا مع قرب المدة، أما إذا طالت المدة، فلا بأس بها؛ لأنه إذا طالت المدة، فإنه من المتعذِّر أو المتعسِّر كثيرًا أن يفسخ العقد.
والحاصل أن لدينا ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يكون البيع أو الشراء على أخيه في زمن الخيار، فلا شك في أنه حرام.
والحال الثانية: أن يكون بعد انتهاء زمن الخيار بمدة قريبة، ففيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه حرام.
والحال الثالثة: أن يكون بعد زمن بعيد؛ كشهر أو شهرين أو أكثر، فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه؛ لأن الناس
يتبادلون السلع فيما بينهم على هذا الوجه، وعلى وُجوهٍ أخرى.
ومثل ذلك: الإجارة على إجارته؛ مثل: أن يذهب شخص إلى آخر استأجر بيتًا من إنسان السنة بألف ريال، قال له:
أنا عندي لك أحسن منه بثمانمائة ريال، فهذا حرام؛ لأنه عدوانٌ كالبيع على بيعه.
ومثل ذلك أيضًا: السَّوْمُ على سَوْمِه، وقد جاء صريحًا فيما رواه مسلم، ويسُومُ على سومه، يعني إذا سامَ شخصٌ سلعةً من آخر
وركن إليه صاحب السلعة، لم يَبْقَ إلا العقدُ، مثل أن يقول: بِعْها عليَّ بألف، فيركن إليه البائع، ولكن لم يتم العقد، بل يجزم أن يبيع عليه
فيأتي إنسان آخر ويقول: "أنا أعطيك بها ألفًا ومائه"، فإن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يسُمْ على سومِ أخيه)).
ومثل ذلك أيضًا في النكاح، إذا خطب شخص من آخر، فلا يحلُّ لأحد أن يخطب على خِطبتِه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يخطُبْ على خِطبة أخيه)).
وكل هذا احترامًا لحقوق المسلمين بعضهم على بعض، فلا يحل للإنسان أن يعتديَ على حقِّ إخوانه؛ لا ببيع ولا شراء
ولا إجارة ولا سَوْم، ولا نكاح، ولا غير ذلك من الحقوق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 584 - 587)
_ سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
avp p]de Hfd ivdvm: "gh dfu fuq;l ugn fdu fuq"
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|