المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موت في الظل


جرعة جنون
15-12-2020, 01:45 AM
موت في الظل

اتكأت على جذع شجرة يقاوم الاندثار ويصارع قساوة الطبيعة التي أحدثت فيه شروخا عظيمة، تأملته بعينين ذابلتين مات الفرح فوق أهدابهما المكسوة بالغبار، غاصت في جوف هذا الجذع الذي أضحى ملاذا للدبابير وبعض الزواحف.
وضعت يدها فوق الجذع الجالس هنالك رغم أنف الطقس القاتل... لاحظت أخاديد الزمن وتضاريسه على يديها الخشنتين، وسافرت في هذا الموت السريري.... أصابعها اغتالتها الرطوبة وحولتها إلى أشكال مقعرة برؤوس تخفي معاناة إنسانة طاردت حلما قادها إلى فيافي المجهول ووحشيته، ورماها جثة على قارعة وطن مزيف بلا زاد ولا دليل...
عقرها الجذع وكأنه يعلن عن تعاطفه معها وينبهها إلى ذلك التشابه الذي خلق بينهما جاذبية خفيفة ترجمتها وقفتهما المنكسرة فوق تلك الهضبة التي تواجه محن الطبيعة لتضمن بقاءها ووقوفها شامخة هنالك مثل شوكة في أعين الحساد والعاذلين.....
اندلق دمها القاني فوق الجذع المتهالك، وبدأت ذاكرتها المتقدة تفتح صفحات التاريخ القريب البعيد، حيث شقائق النعمان تلامس وجنتيها الغضتين وهي ممددة تحت ظلال الشجرة الوارفة التي كانت تحجبها عن أعين المارين بأفنانها المتعانقة في اتساق وجمال...
كم اندمجت مع الفراشات المزركشة تلهو خلفها في كل اتجاه.... آه لو يعود الزمن قليلا إلى الوراء.....
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها اللتين ابتلعت وطأة الزمن بريقهما وطراوتهما، وهي تتذكر كيف كانت تلوذ بهذه الشجرة الكبيرة لتتفيأ بظلالها، أين هي تلك الأغصان المثمرة الدافئة لتحتضنها اليوم بكل حب ودفء كما كانت تفعل بالأمس...
تساءلت عمن أخرس صوت العصافير التي كانت تصدح بأعذب الألحان وهي تنتقل من فنن إلى آخر..
ومن اغتال تلك الفتاة الحالمة التي كانت تقطف الثمار وترمي بها إلى المارة بشقاوة طفولية بريئة...
لقد شهدت انتحار الفرح واختناق الأمل يوم اقتلعوها من تربتها وحملوها إلى المدينة غريبة عن الأهل والأتراب... غمرتها عبرات اليأس والوهن اللذين أغرقا حياتها ..
نظرت إلى رجليها الحافيتين وقد بصم الكد عليهما جروحا عميقة تماما مثل تلك الجروح العاصفة بفروع هذه الشجرة التي طالما طافت حولها الفتيات يزينها بشرائط الأمنيات الوردية ...
مشطت المكان بعينيها الدامعتين فلم تر أي أثر أو رسم يدل على حياة محفوظة في الذاكرة العائدة هي كل ما تبقى لديها اليوم بعدما شوهها غدر المدينة الكبيرة التي أغرتها ببريقها الفتان قبل أن تلفظها بلا رحمة إلى العراء....
زفرت بحرقة عندما لاحظت اختفاء آثار الأقدام التي طوتها المسافات ومحاها النسيان ......
عانقت ذلك الجذع... وشخصت إلى السماء ....تعيد النبض لهذا المكان المهجور...
زمجرت الرعود ولمع بريقها لافحا ذلك الجسد الضعيف فتآخت مع الجذع واتحدا... سمادا لهذه البقعة الطيبة لعلها تثمر بعد سنوات العقم العجاف.....

العراقي راقي
15-12-2020, 12:37 PM
سلمتي وسلم نبض حروفك
شكرا لجهودك
تحياتي لك

الاقشر
15-12-2020, 02:42 PM
يعطيك العافية و تسلم الايادي
على هذا الطرح الجميل
في انتظار لكل جديدك دوما
:77:

نخب الأحلام
17-12-2020, 10:31 AM
جميل جدا
كل الشكر ع الانتقاء الرائع
تحياتي ,,

ملكة الحنان
21-12-2020, 01:45 AM
يعطيك العافية و تسلم الايادي
على هذا الطرح الجميل
في انتظار لكل جديدك دوما

يحيى الشاعر
23-01-2021, 05:12 AM
..

قصة اكثر من رائعة
شكرا على روعة الطرح وحسن الاختيار
وتميزك دوماً في طرح كل ماهوراقي ومميز
فلك مني شكري وعظيم امتناني
دمت بكل خير
http://www.nalwrd.com/vb/upload/4183nalwrd.gif

غموض أنثى
07-03-2021, 11:15 AM
جَلبَ ممُيَّز جِدَاً
وإنتقِاءَ رآِئعْ
تِسَلّمْ الأيَادِيْ
ولآحُرمِناْ مِنْ جَزيلِ عَطّائك